تنادي في حسرة وأنت جالس في زاويتك الظليلة التي تتكرر عليها كل صباح منذ سحبت رخصتك بعد مشاركتك في العملية التي بتر فيها الدكتور خليفة (البصير) ذراع مريض مصاب بقدم السكري...شيء محزن بالطبع ...ولكن ما يقطع القلب حقا هو عدم وجود دلاع أمامك.
(سم) ... تقولها (حلومة) في قرف وهي ترمي لك غداءك...لا تهتم, فهي من الجيل (العكاوكي) القديم الذي يؤمن بأن أقرب طريق للوصول لقلب الرجل هي عبر اختراق قفصه الصدري, كما أن وفاة (تساو لونغ) المفاجئة إثر جرعة زائدة من الحويرة قد جعلتك تؤمن بمبدأ البيجو ( قوة التحمل أهم من الليونة) و هو ما كان السبب في اختيارك لها كبديل محلي (نص عمر).
تنهي غذاءك في ذل ثم تذهب لتنام للحظات يوقظك بعدها صوت يسقطك عن سريرك....تستعيذ بالله ثم تخرج فترى كيانا هو عبارة عن شاربين يتدلى منهما رجل...تقترب في حذر لتجد أنه جارك الجزار (عاشور الشاقور) ...تسلم عليه فيبلغك دون مقدمات بأن ابنك لقي حتفه في كمين كاميكازي نصبته له بيجو على الطريق الساحلي..تسود الدنيا في عينيك وتتهاوى في وهن بينما يفر عاشور تتبعه شواربه لكأنه ألقى لتوه برضيع على باب جامع.
تحت ضغط الجموع يوافق عاشور على مضض أن ينقلك للمجمع في مؤخرة الداتسون التي تفوح برائحة (الفرت)... يتم إنزالك في الطوارئ فيأتي بواب أسود ضخم ليقوم بعملية الفرز (ترِيَاج) بتفتيش رأسك بحثا عن الدماء, تنظر له (على مراحل) وتفكيرك ينصب على محاولة معرفة شيئين : المصدر الذي استقى منه الأخ (عيدي أمين) معلوماته الطبية و كيفية استقراره على الأرضية دون أساسات...!!!
بعد عدة محاولات يفشل (شاكيل أونيل) في العثور على أية دماء باستثناء تلك التي خرجت من أنفك عندما اشتممت رائحته, يقف بعدها ليعلن أن الإغماء دون ضربة على الرأس هو من اختصاص (المستشفى) و يتحدى أي (راجل) من الحضور أن يناقش قراره.... و دون إضاعة مزيد من الوقت في بحث لا طائلة منه عن رجل, يجتمع الحضور للتناقش في كيفية التصرف مستغلين اشتغال (مايك تايسون) بصفع امرأة عجوز تأوهت بصوت مسموع, وأثناء احتدام النقاش و تطوع البعض لضربك على رأسك _وأداً للخلاف_ يخترق الجموع قبقاب خشبي يصيب (كونتا كينتي) بين عينيه طابعا الرقم 47 على جبهته لينهار بعدها بين الجموع المهللة في مشهد يذكرك بـ(أصبح الصبح) ...تنظر لـ(حلومة) في عز وأنت تراها تُغمد قبقابها في رجلها كمحارب الساموراي ثم تلتفت إلى الجسد الذي يشغل نصف الصالة وتتمتم في تشفي:(آهم الرجالة).
رحلة أخرى في الداتسون الزكية تنتهي في المستشفى..يتم إدخالك للقسم بعد تشخيصك بفقر الدم الحاد فتجد الدكاترة (متمرفقين) كصاحبي سيارات الاسمنت ..الكل يقول (تفضل) دون أن يقوم من الظل ثم يشير إلى من يمكن أن تجد عنده حاجتك...وفي النهاية يخصص لك سرير في غرفة انتهت عاملة التنظيف لتوها من شطفها بمنظف بعطر النابلم..
زملاؤك في الغرفة معروفون...لا بد من عجوز متهالك تحيط به نساء كـ(خيام الجيش) ويتقافز من حوله عفاريت يتسلون بـ(تمزيط البوشبو) بينما هو لا يفعل شيئا سوى طلب كوب من الماء, السعال و تلاوة الشهادتين ثم التظاهر بالموت بينما تطلق النساء صفارات الإنذار متحسرات على أيام لعبه المتخطي مع الفلاقة, ولا يثنيهن عن الصياح إلا قيام أحد الحضور بصب الماء في أذن العجوز مثبتا أنه على قيد الحياة لتبدأ الدورة من جديد.وهنالك أيضا ذلك الشخص الذي يمضغ الفجل في حماسة وهو يتلو على الحاضرين آخر معلوماته الطبية التي سمعها في تونس عندما تم (تسريح رواياه) في عيادة دكتور متخصص في الجرثومة (ودورها أنت الجرثومة...!) ومن حين لآخر يلقي بقنبلة تشريحية كأن يقسم (بالزروق في ظهره) أن العينين لا تتصلان بالمخ لأن سعدون ولد الحاج الهادي يقوم باقتلاع عينيه (كالبطش) في كل حضرة....ولا تخلو الحجرة بطبع الحال من شخص (خمسيناتي) من النوع الذي يمقت الشباب و يؤمن بأن التكييف _مثله في ذلك مثل الدراسة الجامعية أو مزيل العرق_ ما هو إلا( بدع مفرخ) لن تستقيم الحياة إلا بتركها ...لذلك فإنه يحرص على إقفال جميع منافذ الهواء في الغرفة ثم الاندساس تحت 7بطاطين كي يتعفن في لذة وهو يحلم بيوم تقوم فيه أعمال شغب ليتمكن من تهشيم رأس شاب أو اثنين.
وهكذا تمر بك الأيام...في الصباح يصدع رأسك دكتور يناقش حالتك مع عدد من طلبته التابعين لمذهب اللاأدرية (لا أدري..!) والذين يتبعونه في استسلام بريء كفراخ البط ولكن ما أن يتوارى عن الأنظار حتى يتباروا في تعذيبك بمحاولة تركيب خط وريدي بأيدٍ ثابتة الأعصاب كقط عالق في مخزن شعير يحترق...ويُقدم لك في الغذاء صحن شربة مشبوه المنظر, تنظر له في خوف ثم تتناول ملعقة يؤكد لك طعمها شكوكك المبدئية في كونها شربة (كنادر)..!! تبتلعها على كل حال, فأنت في حاجة شديدة للدفء كما أن وجود عدة كائنات حية سابحة في الشربة هو دليل على انخفاض سميتها...!!
في المساء تتحول الغرفة إلى ( مزار) بما يملؤها من نساء مكتنزات ورجال غاضبين وصغار يتبولون أينما واتاهم ..وإذا اشتكيت للممرضة فإنها تنظر إليك من أعلى لأسفل على طريقة (نازك السلحدار) ثم تقول في اقتضاب :(كلَّم عبد المولى) , وهو رجل لا أحد يعلم وظيفته بالتحديد إلا أن وجوده ضروري لسير الأمور بسلاسة, تماما كبراد الشاهي الأزرق القديم عند الاحتضار أو الماء الساخن عند الولادة أو ذلك العبيط الواقف في مدخل خيمة العرس مناديا على الطبيخة....أما في الليل فيقلق نومَك ذلك المريض الذي يظل يذرع الممرات إلى الحمام في تكرار لا يفسره إلا ارتفاع سكر دمه لمستوى شنيع أو كونه رئيسا لجمعية هواة التبول...!
ولأن المصائب في بلدنا تأتي في جماعات كالجراد أو الحنايات....فإنك لا تستلم ورقة خروجك من المستشفى وتبدأ أولى خطواتك خارجها حتى تجد نفسك قد ارتفعت فجأة عن الأرض ثم انطلقت في الهواء كلعبة (التيرا) عندما صدمتك الداتسون التي جاء بها عاشور لأخذك للبيت...تضحك من شر البلية وأنت تجد نفسك للمرة الثانية مكوما تحت قدمي عاشور الذي يفر متخذا مسار (زقزاق) هذه المرة متفاديا قباقيب حلومة...!!
تستمر في الضحك وأنت تُحمل راجعا إلى المستشفى...تضحك أكثر وهم يرفضون إدخالك لأن إصابتك هذه المرة هي مسئولية المجمع...تكاد تموت من الضحك عندما تُلقى بأطرافك المهشمة في ركن منسي لأيام في انتظار توفر البلاتين و فراغ حجرة العمليات التي تشاهد المرضى ينقلون إليها تباعا وهم يربطون ركبهم متمتمين (مرحب بالجنة جت تدّنى..!!)...ولكن ما أن يأتي دورك لتدخلها, وتجد الجراح يتحسس ملامحك في تمعن حتى تخبو ابتسامتك تدريجيا وأنت ترفع عينيك للأعلى في آخر لحظات وعيك لتجد خليفة (الأعمى) ينظر للسقف وهو يهز رأسه ويحرك حاجبيه كـ(سيد درويش) سائلا من حوله: (قلتولي بنشيلوا منه الكلوة وشنو تاني....؟), فينقلب ضحكك رعبا للحظات ثم تسكن ملامحك للأبد.
(سم) ... تقولها (حلومة) في قرف وهي ترمي لك غداءك...لا تهتم, فهي من الجيل (العكاوكي) القديم الذي يؤمن بأن أقرب طريق للوصول لقلب الرجل هي عبر اختراق قفصه الصدري, كما أن وفاة (تساو لونغ) المفاجئة إثر جرعة زائدة من الحويرة قد جعلتك تؤمن بمبدأ البيجو ( قوة التحمل أهم من الليونة) و هو ما كان السبب في اختيارك لها كبديل محلي (نص عمر).
تنهي غذاءك في ذل ثم تذهب لتنام للحظات يوقظك بعدها صوت يسقطك عن سريرك....تستعيذ بالله ثم تخرج فترى كيانا هو عبارة عن شاربين يتدلى منهما رجل...تقترب في حذر لتجد أنه جارك الجزار (عاشور الشاقور) ...تسلم عليه فيبلغك دون مقدمات بأن ابنك لقي حتفه في كمين كاميكازي نصبته له بيجو على الطريق الساحلي..تسود الدنيا في عينيك وتتهاوى في وهن بينما يفر عاشور تتبعه شواربه لكأنه ألقى لتوه برضيع على باب جامع.
تحت ضغط الجموع يوافق عاشور على مضض أن ينقلك للمجمع في مؤخرة الداتسون التي تفوح برائحة (الفرت)... يتم إنزالك في الطوارئ فيأتي بواب أسود ضخم ليقوم بعملية الفرز (ترِيَاج) بتفتيش رأسك بحثا عن الدماء, تنظر له (على مراحل) وتفكيرك ينصب على محاولة معرفة شيئين : المصدر الذي استقى منه الأخ (عيدي أمين) معلوماته الطبية و كيفية استقراره على الأرضية دون أساسات...!!!
بعد عدة محاولات يفشل (شاكيل أونيل) في العثور على أية دماء باستثناء تلك التي خرجت من أنفك عندما اشتممت رائحته, يقف بعدها ليعلن أن الإغماء دون ضربة على الرأس هو من اختصاص (المستشفى) و يتحدى أي (راجل) من الحضور أن يناقش قراره.... و دون إضاعة مزيد من الوقت في بحث لا طائلة منه عن رجل, يجتمع الحضور للتناقش في كيفية التصرف مستغلين اشتغال (مايك تايسون) بصفع امرأة عجوز تأوهت بصوت مسموع, وأثناء احتدام النقاش و تطوع البعض لضربك على رأسك _وأداً للخلاف_ يخترق الجموع قبقاب خشبي يصيب (كونتا كينتي) بين عينيه طابعا الرقم 47 على جبهته لينهار بعدها بين الجموع المهللة في مشهد يذكرك بـ(أصبح الصبح) ...تنظر لـ(حلومة) في عز وأنت تراها تُغمد قبقابها في رجلها كمحارب الساموراي ثم تلتفت إلى الجسد الذي يشغل نصف الصالة وتتمتم في تشفي:(آهم الرجالة).
رحلة أخرى في الداتسون الزكية تنتهي في المستشفى..يتم إدخالك للقسم بعد تشخيصك بفقر الدم الحاد فتجد الدكاترة (متمرفقين) كصاحبي سيارات الاسمنت ..الكل يقول (تفضل) دون أن يقوم من الظل ثم يشير إلى من يمكن أن تجد عنده حاجتك...وفي النهاية يخصص لك سرير في غرفة انتهت عاملة التنظيف لتوها من شطفها بمنظف بعطر النابلم..
زملاؤك في الغرفة معروفون...لا بد من عجوز متهالك تحيط به نساء كـ(خيام الجيش) ويتقافز من حوله عفاريت يتسلون بـ(تمزيط البوشبو) بينما هو لا يفعل شيئا سوى طلب كوب من الماء, السعال و تلاوة الشهادتين ثم التظاهر بالموت بينما تطلق النساء صفارات الإنذار متحسرات على أيام لعبه المتخطي مع الفلاقة, ولا يثنيهن عن الصياح إلا قيام أحد الحضور بصب الماء في أذن العجوز مثبتا أنه على قيد الحياة لتبدأ الدورة من جديد.وهنالك أيضا ذلك الشخص الذي يمضغ الفجل في حماسة وهو يتلو على الحاضرين آخر معلوماته الطبية التي سمعها في تونس عندما تم (تسريح رواياه) في عيادة دكتور متخصص في الجرثومة (ودورها أنت الجرثومة...!) ومن حين لآخر يلقي بقنبلة تشريحية كأن يقسم (بالزروق في ظهره) أن العينين لا تتصلان بالمخ لأن سعدون ولد الحاج الهادي يقوم باقتلاع عينيه (كالبطش) في كل حضرة....ولا تخلو الحجرة بطبع الحال من شخص (خمسيناتي) من النوع الذي يمقت الشباب و يؤمن بأن التكييف _مثله في ذلك مثل الدراسة الجامعية أو مزيل العرق_ ما هو إلا( بدع مفرخ) لن تستقيم الحياة إلا بتركها ...لذلك فإنه يحرص على إقفال جميع منافذ الهواء في الغرفة ثم الاندساس تحت 7بطاطين كي يتعفن في لذة وهو يحلم بيوم تقوم فيه أعمال شغب ليتمكن من تهشيم رأس شاب أو اثنين.
وهكذا تمر بك الأيام...في الصباح يصدع رأسك دكتور يناقش حالتك مع عدد من طلبته التابعين لمذهب اللاأدرية (لا أدري..!) والذين يتبعونه في استسلام بريء كفراخ البط ولكن ما أن يتوارى عن الأنظار حتى يتباروا في تعذيبك بمحاولة تركيب خط وريدي بأيدٍ ثابتة الأعصاب كقط عالق في مخزن شعير يحترق...ويُقدم لك في الغذاء صحن شربة مشبوه المنظر, تنظر له في خوف ثم تتناول ملعقة يؤكد لك طعمها شكوكك المبدئية في كونها شربة (كنادر)..!! تبتلعها على كل حال, فأنت في حاجة شديدة للدفء كما أن وجود عدة كائنات حية سابحة في الشربة هو دليل على انخفاض سميتها...!!
في المساء تتحول الغرفة إلى ( مزار) بما يملؤها من نساء مكتنزات ورجال غاضبين وصغار يتبولون أينما واتاهم ..وإذا اشتكيت للممرضة فإنها تنظر إليك من أعلى لأسفل على طريقة (نازك السلحدار) ثم تقول في اقتضاب :(كلَّم عبد المولى) , وهو رجل لا أحد يعلم وظيفته بالتحديد إلا أن وجوده ضروري لسير الأمور بسلاسة, تماما كبراد الشاهي الأزرق القديم عند الاحتضار أو الماء الساخن عند الولادة أو ذلك العبيط الواقف في مدخل خيمة العرس مناديا على الطبيخة....أما في الليل فيقلق نومَك ذلك المريض الذي يظل يذرع الممرات إلى الحمام في تكرار لا يفسره إلا ارتفاع سكر دمه لمستوى شنيع أو كونه رئيسا لجمعية هواة التبول...!
ولأن المصائب في بلدنا تأتي في جماعات كالجراد أو الحنايات....فإنك لا تستلم ورقة خروجك من المستشفى وتبدأ أولى خطواتك خارجها حتى تجد نفسك قد ارتفعت فجأة عن الأرض ثم انطلقت في الهواء كلعبة (التيرا) عندما صدمتك الداتسون التي جاء بها عاشور لأخذك للبيت...تضحك من شر البلية وأنت تجد نفسك للمرة الثانية مكوما تحت قدمي عاشور الذي يفر متخذا مسار (زقزاق) هذه المرة متفاديا قباقيب حلومة...!!
تستمر في الضحك وأنت تُحمل راجعا إلى المستشفى...تضحك أكثر وهم يرفضون إدخالك لأن إصابتك هذه المرة هي مسئولية المجمع...تكاد تموت من الضحك عندما تُلقى بأطرافك المهشمة في ركن منسي لأيام في انتظار توفر البلاتين و فراغ حجرة العمليات التي تشاهد المرضى ينقلون إليها تباعا وهم يربطون ركبهم متمتمين (مرحب بالجنة جت تدّنى..!!)...ولكن ما أن يأتي دورك لتدخلها, وتجد الجراح يتحسس ملامحك في تمعن حتى تخبو ابتسامتك تدريجيا وأنت ترفع عينيك للأعلى في آخر لحظات وعيك لتجد خليفة (الأعمى) ينظر للسقف وهو يهز رأسه ويحرك حاجبيه كـ(سيد درويش) سائلا من حوله: (قلتولي بنشيلوا منه الكلوة وشنو تاني....؟), فينقلب ضحكك رعبا للحظات ثم تسكن ملامحك للأبد.